فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم} أي: لا يضرهم إِن لم يعبدوه، ولا ينفعهم إِن عبدوه، قاله مقاتل، والزجاج.
قوله تعالى: {ويقولون} يعني المشركين.
{هؤلاء} يعنون الأصنام.
قال أبو عبيدة: خرجت كنايتها على لفظ كناية الآدميين.
وقد ذكرنا هذا المعنى في [الأعراف: 191] عند قوله: {وهم يُخْلَقُون}.
وفي قوله: {شفعاؤنا عند الله} قولان: أحدهما: شفعاؤنا في الآخرة، قاله أبو صالح عن ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: شفعاؤنا في إِصلاح معايشنا في الدنيا، لأنهم لا يُقِرُّون بالبعث، قاله الحسن.
قوله تعالى: {قل أتنبئون الله بما لا يعلم} قال الضحاك: أتخبرون الله أنَّ له شريكًا، ولا يعلم الله لنفسه شريكًا في السموات ولا في الأرض. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} يريد الأصنام.
{وَيَقُولُونَ هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله} وهذه غاية الجهالة منهم؛ حيث ينتظرون الشفاعة في المآل ممن لا يوجد منه نفع ولا ضر في الحال.
وقيل: {شُفَعَاؤُنَا} أي تشفع لنا عند الله في إصلاح معائشنا في الدنيا.
{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض} قراءة العامة {تنبئون} بالتشديد.
وقرأ أبو السَّمَّال العَدَوِيّ {أتنبِئون الله} مخففًا، من أنبأ ينبئ.
وقراءة العامة من نبّأ ينبئ تنبئة؛ وهما بمعنًى واحد، جمَعهما قوله تعالى: {مَنْ أَنبَأَكَ هذا قَالَ نَبَّأَنِيَ العليم الخبير} [التحريم: 3] أي أتخبرون الله أن له شريكًا في ملكه أو شفيعًا بغير إذنه، والله لا يعلم لنفسه شريكًا في السموات ولا في الأرض؛ لأنه لا شريك له فلذلك لا يعلمه.
نظيره قوله: {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأرض} [الرعد: 33] ثم نزّه نفسه وقدّسها عن الشرك فقال: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي هو أعظم من أن يكون له شريك.
وقيل: المعنى أي يعبدون ما لا يسمع ولا يبصر ولا يمَيِّز {وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} فيكذبون؛ وهل يتهيأ لكم أن تنبئوه بما لا يعلم، سبحانه وتعالى عما يشركون!.
وقرأ حمزة والكسائي {تشركون} بالتاء، وهو اختيار أبي عبيد.
الباقون بالياء. اهـ.

.قال الخازن:

{ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم} يعني: ويعبد هؤلاء المشركون الأصنام التي لا تضرهم إن عصوها وتركوا عبادتها ولا تنفعهم إن عبدوها لأنها حجارة وجماد لا تضر ولا تنفع وإن العبادة أعظم أنواع التعظيم فلا تليق إلا بمن يضر وينفع ويحيي ويميت وهذه الأصنام جماد وحجارة لا تضر ولا تنفع {ويقولون هؤلاء} يعني الأصنام التي يعبدونها {شفعاؤنا عند الله} قال أهل المعاني: توهموا أن عبادتها أشد من تعظيم الله من عبادتهم إياه وقالوا لسنا بأهل أن نعبد الله ولكن نشتغل بعبادة هذه الأصنام فإنها تكون شافعة لنا عند الله ومنه قوله سبحانه وتعالى إخبار عنهم {ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} وفي هذه الشفاعة قولان:
أحدهما: أنهم يزعمون أنها تشفع لهم في الآخرة قاله ابن جريج عن ابن عباس.
والثاني: أنها تشفع لهم في الدنيا في إصلاح معايشهم قاله الحسن لأنهم كانوا لا يعتقدون بعثًا بعد الموت {قل} أي قل لهم يا محمد {أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض} يعني: أتخبرون الله أن له شريكًا ولا يعلم الله لنفسه شريكًا في السموات ولا في الأرض.
وهذا على طريق الإلزام.
المقصود: نفي علم الله بذلك الشفيع وأنه لا وجود له البتة لأنه لو كان موجودًا لعلمه الله وحيث لم يكن معلومًا لله وجب أن لا يكون موجودًا ومثل هذا مشهور في العرف فإن الإنسان إذا أراد نفي شيء حصل في نفسه يقول: ما علم الله ذلك مني مقصوده أنه ما حصل ذلك الشيء منه قط ولا وقع {سبحانه وتعالى عما يشركون} نزه الله سبحانه وتعالى نفسه عن الشركاء والأضداد والأنداد وتعالى أن يكون له شريك في السموات والأرض ولا يعلمه. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} الضمير في {ويعبدون} عائد على كفار قريش الذين تقدمت محاورتهم.
و{ما لا يضرهم ولا ينفعهم} هو الأصنام، جماد لا تقدر على نفع ولا ضر.
قيل: إنْ عبدوها لم تنفعهم، وإن تركوا عبادتها لم تضرهم.
ومن حق المعبود أن يكون مثيبًا على الطاعة معاقبًا على المعصية، وكان أهل الطائف يعبدون اللات، وأهل مكة العزى ومناة وأسافًا ونائلة وهبل، والأخبار بهذا عن الكفار هو على سبيل التجهيل والتحقير لهم ولمعبوداتهم، والتنبيه على أنهم عبدوا من لا يستحق العبادة.
وفي قوله: {من دون الله}، دلالة على أنهم كانوا يعبدون الأصنام ولا يعبدون الله.
قال ابن عباس: يعنون في الآخرة.
وقال النضر بن الحرث: إذا كان يوم القيامة شفعت في اللات والعزى.
وقال الحسن: شفعاؤنا في إصلاح معايشنا في الدنيا لأنهم لا يقرون بالبعث.
وأتنبئون استفهام على سبيل التهكم بما ادّعوه من المحال الذي هو شفاعة الأصنام، وإعلام بأنّ الذي أنبأوا به باطل غير منطو تحت الصحة، فكأنهم يخبرونه بشيء لا يتعلق به علمه، وما موصولة بمعنى الذي.
قال الزمخشري: بكونهم شفعاء عنده، وهو إنباء ما ليس بمعلوم لله تعالى، وإذا لم يكن معلومًا له وهو العالم الذات المحيط بجميع المعلومات لم يكن شيئًا لأنّ الشيء ما يعلم ويخبر عنه فكان خبرًا ليس له مخبر عنه انتهى.
فتكون ما واقعة على الشفاعة، والفاعل بيعلم هو الله، والمفعول الضمير المحذوف العائد على ما.
وقوله: {في السموات ولا في الأرض} تأكيد لنفيه، لأن ما لم يوجد فيهما فهو منتف معدوم قاله الزمخشري.
وفي التحرير: أتنبئون، معناه التهكم والتقريع والتوبيخ والإنكار، والمعنى على هذا: أتخبرون الله بما يعلم خلافه في السموات والأرض، فإن صفات الذات لا يجري فيها النفي.
وقيل: أتخبرون الله بما لا يعلمه موجودًا في السموات والأرض، فكيف يصح وجود ما لا يعلمه الله، وهو كما يقال للرجل: قد قلت كذا، فيقول: ما علم الله هذا مني، أي ما كان هذا قط، إذ لو كان لعلمه الله انتهى.
والذي يظهر أنّ ما موصول يراد به الأصنام لا الشفاعة التي ادعوها، والفاعل بيعلم ضمير يعود على ما لا على الله، وذلك على حذف مضاف والمعنى: قل أتعلمون الله بشفاعة الأصنام التي انتفي علمها في السموات والأرض أي: ليست متصفة بعلم البتة، فيكون ذلك ردًا عليهم في دعواهم أنها تشفع عند الله، لأنّ من كان منتفيًا عنه العلم فكيف يشفع وهو لا يعلم من يشفع فيه، ولا ما يشفع فيه، ولا من تشفع عنده؟ كما رد عليهم في العبادة بقوله: {ما لا يضرهم ولا ينفعهم}، فانتفاء الضر والنفع قادح في العبادة، وانتفاء العلم قادح في الشفاعة، فتبطل العبادة ودعوى الشفاعة، ويكون قوله: في السموات والأرض على هذا تنبيهًا على محال المعبودات المدعي شفاعتهم، إذ من المعبودات السماوية الكواكب كالشمس والشعرى.
وقرئ: {أتنبئون} بالتخفيف من أنبأ.
ولما ذكر تعالى عبادتهم ما لا يضر ولا ينفع، وكان ذلك إشراكًا، استأنف تنزيهًا بقوله سبحانه وتعالى.
وما يحتمل أن تكون بمعنى الذي ومصدرية أي: شركائهم الذين يشركونهم به، أو عن إشراكهم.
وقرأ العربيان والحرميان وعاصم: يشركون بالياء على الغيبة هنا، وفي حرفي النحل، وحرف في الروم.
وذكر أبو حاتم أنه قرأها كذلك الحسن والأعرج وابن القعقاع وشيبة وحميد وطلحة والأعمش.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر في النمل فقط بالياء على الخطاب، وعاصم وأبو عمرو بالياء على الغيبة.
وقرأ حمزة والكسائي الخمسة بالتاء على الخطاب، وأتى بالمضارع ولم يأت عن ما أشركوا للدلالة على استمرار حالهم، كما جاءوا يعبدون وأنهم على الشرك في المستقبل، كما كانوا عليه في الماضي. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} حكايةٌ لجناية أخرى لهم نشأتْ عنها جنايتُهم الأولى معطوفةٌ على قوله تعالى: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} الآية، عطفَ قصةٍ على قصة، ومن دون متعلقٌ بيعبدون ومحلُّه النصبُ على الحالية من فاعله أي متجاوزين الله سبحانه لا بمعنى تركِ عبادتِه بالكلية بل بمعنى عدم الاكتفاءِ بها وجعلها قرينًا لعبادة الأصنامِ كما يُفصح عنه سياقُ النظمِ الكريم {مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} أي ما ليس من شأنه الضرُّ والنفعُ من الأصنام التي هي جمادات، وما موصولةٌ أو موصوفةٌ، وتقديمُ نفي الضررِ لأن أدنى أحكامِ العبادةِ دفعُ الضررِ الذي هو أولُ المنافع، والعبادةُ أمرٌ حادث مسبوقٌ بالعدم الذي هو مظِنّةُ الضرر فحيث لم تقدِر الأصنامُ على الضرر لم يوجد لإحداث العبادة سببٌ، وقيل: لا يضرّهم إن تركوا عبادتَها ولا ينفعهم إن عبدوها.
كان أهلُ الطائفِ يعبُدون اللاتَ وأهلُ مكةَ عزى ومَناةَ وهُبَل وإسافًا ونائلةً {وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} عن النضْر بن الحارثِ إذا كان يوم القيامة يشفع لى اللاتُ. قيل: إنهم كانوا يعتقدون أن المتوليَ لكل إقليمٍ روحٌ معينٌ من أرواح الأفلاكِ فعيّنوا لذلك الروحِ صنمًا معينًا من الأصنام واشتغلوا بعبادته ومقصودُهم ذلك الروحُ ثم اعتقدوا أن ذلك الروحَ يكون عند الإله الأعظمِ مشتغلًا بعبوديته وقيل: إنهم كانوا يعبدون الكواكبَ فوضعوا لها أصنامًا معينة واشتغلوا بعبادتها قصدًا إلى عبادة الكواكبِ، وقيل: إنهم وضعوا طلسماتٍ معينةً على تلك الأصنام ثم تقربوا إليها، وقيل: إنهم وضعوا هذه الأصنامَ على صور أنبيائِهم وأكابرِهم وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيلِ فإن أولئك الأكابرَ يشفعون لهم عند الله تعالى.
{قُلْ} تبكيتًا لهم {أَتُنَبّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ} أي أتخبرونه بما لا وجودَ له أصلًا وهو كونُ الأصنامِ شفعاءَهم عند الله تعالى إذ لولاه لعلمه علامُ الغيوبِ، وفيه تقريعٌ لهم وتهكّمٌ بهم وبما يدعونه من المُحال الذي لا يكاد يدخُل تحت الصحة والإمكانِ، وقرئ أتنبِّيون بالتخفيف وقوله تعالى: {فِي السموات وَلاَ في الأرض} حالٌ من العائد المحذوفِ في يعلم مؤكدةٌ للنفي، لأن ما لا يوجد فيهما فهو منتفٍ عادة {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} عن إشراكهم المستلزمِ لتلك المقالةِ الباطلةِ أو عن شركائهم الذين يعتقدونهم شفعاءَهم عند الله تعالى وقرئ تُشركون بتاء الخطاب على أنه من جملة القولِ المأمورِ به، وعلى الأول هو اعتراضٌ تذييليٌّ من جهته سبحانه وتعالى. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} حكاية لجناية أخرى لهم وهي عطف على قوله سبحانه: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ} [يونس: 15] الآية عطف قصة على قصة، و{مِن دُونِ} في موضع الحال من فاعل {يَعْبُدُونَ} أي متجاوزين الله تعالى إما بمعنى ترك عبادته سبحانه بالكلية لأنها لا تصح ولا تقع عبادة مع الشركة أو بمعنى عدم الاكتفاء بها وجعلها قريبًا لعبادة غيره سبحانه كما اختاره البعض، و{مَا} إما موصولة أو موصوفة، والمراد بها الأصنام، ومعنى كونها لا تضر ولا تنفع أنها لا تقدر على ذلك لأنها جمادات، والمقصود من هذا الوصف نفي صحة معبوديتها لأن من شأن المعبود القدرة على ما ذكر، وقيل: المعنى لا تضرهم إن تركوا عبادتها ولا تنفعهم إن عبدوها والمقصود أيضًا نفي صحة معبوديتها لأن من شأن المعبود أن يثبت عابده ويعاقب من لم يعبده، والفرق بين التفسيرين على ما قاله القطب اطلاق النفع والضر في الأول والتقييد بالعبادة وتركها في الثاني، وقيل: المقصود على الأول من الموصول الأصنام بعينها وعلى الثاني فاقد أوصاف المعبودية، ويجوز أن يدخل فيه غير الأصنام من الملائكة والمسيح عليهم السلام، والظاهر أن المراد هنا الأصنام لأن العرب إنما كانوا يعبدونها وكان أهل الطائف يعبدون اللات وأهل مكة العزى ومناة وهبل وأسافا ونائلة {وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شفعاؤنا عِندَ الله} أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كان النضر بن الحرث يقول: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى وفيه نزلت الآية.
والظاهر أن سائر المشركين كانوا يقولون هذا القول، ولعل ذلك منهم على سبيل الفرض والتقدير أي إن كان بعث كما زعمتم فهؤلاء يشفعون لنا، فلا يقال: إن المتبادر من الشفاعة عند الله تعالى أنه في الآخرة وهو مستلزم للبعث وهم ينكرونه كما يدل عليه قوله تعالى: {وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أيمانهم لاَ يَبْعَثُ الله مَن يَمُوتُ} [النحل: 38] وكذا ما تقدم آنفًا من قوله سبحانه: {الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا} [يونس: 15] فيلزم المنافاة بين مفاهيم الآيات، وكأنه لذلك قال الحسن عليه الرحمة: إنهم أرادوا من هذه الشفاعة الشفاعة في الدنيا لإصلاح المعاش، وحينئذٍ لا منافاة والجمهور على الأول، ومن سبر حال القوم رآهم مترددين ولذلك اختلفت كلماتهم، ونسبة الشفاعة للأصنام قيل باعتبار السببية وذلك لأنهم كما هو المشهور وضعوها على صور رجال صالحين ذوي خطر عندهم وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادتها فإن أولئك الرجال يشفعون لهم، وقيل: إنهم كانوا يعتقدون أن المتولي لكل إقليم روح معين من أرواح الأفلام فعينوا لذلك الروح صنمًا من الأصنام واشتغلوا بعبادتها قصدًا إلى عبادة الكواكب وقيل: غير ذلك، والحق أن من الأصنام ما وضع على الوجه الأول ومنها ما وضع لكونها كالهياكل للروحانيات {قُلْ} تبكيتًا لهم {أَتُنَبّئُونَ الله بِمَا لاَ يَعْلَمُ} أي أتخبرونه سبحانه بما لا وجود له ولا تحقق أصلًا وهو كون الأصنام شفعاءهم عنده جل شأنه فإن ما لا يعلمه علام الغيوب المحيط علمه بالكليات والجزئيات لا يكون له تحقق بالكلية، وذكروا أن مثل ذلك لا يسمى شيئًا بناءً على أنه كما قال سيبويه ما يصح أن يعلم ويخبر عنه وهو يشمل الموجود والمعدوم كما حققه بعض أصحابنا كالمعتزلة وسموا ما لا يعلم بالمنفي كالشريك وكاجتماع الضدين، وحقق ذلك الشيخ إبراهيم الكورابي في رسالة مستقلة أتى فيها بالعجب العجاب، ويجوز أن يراد بالموصول أن له سبحانه شريكًا والمقصود على الوجهين من ذكر إنباء الله تعالى بما لا تحقق له ولم يتعلق به علمه التهكم والهزء بهم وإلا فلا إنباء، وقوله سبحانه: {فِي السموات وَلاَ في الأرض} في موضع الحال من العائد المحذوف أي بما لا يعلمه كائنًا في ذلك، والمقصود منه تأكيد النفي المدلول عليه بما قبله فإنه قد جرى في العرف أن يقال عند تأكيد النفي للشيء ليس هذا في السماء ولا في الأرض لاعتقاد العامة أن كل ما يوجد إما في السماء وإما في الأرض كما هو رأى المتكلمين في كل ما سوى الله تعالى إذ هو سبحانه المعبود المنزه عن الحلول في المكان، والآيات التي ظاهرها ذلك من المتشابه والمذاهب فيه شهيرة، وهذا إذا أريد بالسماء والأرض جهتا العلو والسفل، وقيل: الكلام إلزامي لزعم المخاطبين الكافرين أن الأمر كذلك، وقيل: إن معنى الآية أتخبرونه تعالى بشريك أو شفيع لا يعلم شيئًا في السموات ولا في الأرض كما في قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مّنَ السموات والأرض} [النحل: 73] وليس بشيء {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي عن إشراكهم المستلزم لتلك المقالة الباطلة أو عن شركائهم الذين يعتقدونهم شركاء، وقرئ {أَتُنَبّئُونَ} بالتخفيف، وقرأ حمزة والكسائي {تُشْرِكُونَ} بتاء الخطاب على أنه من جملة القول المأمور به، وعلى الأول هو اعتراض تذييلي من جهته سبحانه وتعالى. اهـ.